الإجازات في مصر ..”منحة” أم “محنة” لصناعة التعهيد؟

تُعد مصر ضمن أكثر الدول التي تمنح العاملين عددًا كبيرًا من الإجازات السنوية، وهو ما جعلنا نناقش الأمر مع المتخصصين حول مدى تأثير ذلك على قطاع خدمات التعهيد، الذي يُعد من أبرز القطاعات الصاعدة في الاقتصاد المصري.
فبينما توفّر الإجازات الطويلة راحة نفسية واجتماعية للموظفين وتُسهم في الحد من الاحتراق الوظيفي، يرى عدد من خبراء الصناعة ومديري شركات الأوت سورسينج أن كثرة الإجازات تمثل تحديًا أمام الحفاظ على استمرارية التشغيل، وسلاسة التواصل مع العملاء الدوليين.
ففي الوقت الذي يؤكد فيه البعض أن الراحة المنتظمة ترفع من كفاءة الموظفين وتحسّن من جودة الأداء، يحذر آخرون من انعكاسات سلبية مثل انخفاض عدد ساعات العمل الفعلية، وتأخر إجراءات التوظيف، وزيادة الأعباء المالية على الشركات، لا سيما تلك التي تلتزم بتقديم خدماتها على مدار الساعة.
عمران: سلاحًا ذو حدين..ويجب تفعيل نظام المناوبات المرن والعمل الهجين
قال ياسر عمران ، مدير شركة ألوريكا مصر ، إن طول فترة الإجازات في مصر يمكن أن يكون له تأثيرات متعددة على صناعة خدمات التعهيد (الاستعانة بمصادر خارجية)، سواء إيجابية أو سلبية، موضحا أن أبرز التأثيرات الإيجابية تتمثل في جذب استثمارات أجنبية إذ قد تزيد فترة الإجازات الطويلة من جاذبية مصر كوجهة لصناعة الأوت سورسينج خاصة للشركات الأوروبية أو الآسيوية التي تبحث عن بيئة عمل مرنة مع توازن بين العمل والحياة.
وأضاف عمران أن بعض الشركات قد تفضل التعامل مع موظفين يتمتعون بإجازات كافية، مما يقلل من معدل الاحتراق الوظيفي (Burnout) ويزيد الإنتاجية على المدى الطويل.
ورأي أن طول فترة الإجازات في مصر قد تسهم أيضا في زيادة الإنتاجية ورفع جودة الخدمة إذ يحصل الموظفون علي فترات راحة كافية تجعلخم أكثر إنتاجية وإبداعا عند العودة مجددا للعمل ، كما تساعد أيضا في تقليل التوتر وزيادة الولاء الوظيفي.

وتابع قائلا : طالما تتفوق مصر في عدد الإجازات السنوية مقارنة بدول أخري مثل ألمانيا واليابان ، فإن الشركات متعددة الجنسيات قد تستفيد من ذلك في تعويض نقصها داخل بلادها .
وعدد عمران التأثيرات السلبية للإجازات علي صناعة خدمات التعهيد في انخفاض عدد ساعات العمل الفعلية ، مبينا أنه مع وجود حوالي 139 يوم إجازة سنويا تشمل العطلات الأسبوعية والرسمية قد تقل ساعات العمل مقارنة بدول أخرى، مما قد يؤثر على حجم الإنتاج.
وألمح إلى أن بعض شركات التعهيد أيضا تعتمد على التشغيل المستمر على مدار الساعة أسبوعيًا ومن ثم فإن الإجازات الطويلة قد تعيق ذلك ، كما قد تمثل أيضا تحديا في التنسيق مع العملاء الدوليين خاصة وأنها ربما لا تتوافق مع الشركات الأمريكية أو الأوربية مما ينتج عنه حدوث فجوة في التواصل وتأخر في التسليم.
ورأى أن بعض الأعمال مثل خدمة العملاء (Call Centers) أو الدعم الفني تتطلب تغطية مستمرة، والإجازات المتكررة قد تعقّد العملية ، مشيرا إلي أن شركات التعهيد قد تضطر إلي تعويض أيام الإجازات الإضافية ( مثل الزواج أو المرض ) عبر تعيين موظفين إضافيين مما يزيد من نفقات التشغيل خاصة وأن بعض العقود مع العملاء الأجانب قد تتطلب التزامًا بعدد أيام عمل معينة، مما يخلق ضغطًا على الشركات المصرية.
واقترح مدير عام ألوريكا مصر لحل هذه المشكلة تفعيل نظام المناوبات المرن عبر تقسيم إلى فرق عمل متداخلة لتغطية أيام الإجازات الرسمية والأسبوعية ، بالإضافة إلي استخدام نموذج العمل الهجين (جزء عن بُعد) لضمان الاستمرارية، واستخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي والروبوتات في بعض المهام الروتينية لتعويض غياب الموظفين خلال الإجازات.
كما طالب كذلك بتطبيق أنظمة إدارة المشروعات مثل Asana أو Trello لمتابعة المهام بشكل غير متزامن ، علاوة علي تحديد بنود واضحة في العقود مع العملاء حول أيام الإجازات المصرية وكيفية تعويضها ، مع تقديم خيارات عمل مرنة (Flexible Hours) كبديل للإجازات الطويلة.
واختتم حديثه قائلا : الشركات التي تستطيع إدارة الإجازات بذكاء عبر تطبيق أنظمة المناوبات والأتمتة والعقود المرنة يمكنها تحويل هذا التحدي إلي فرصة تنافسية في سوق صناعة خدمات التعهيد عالميًا.
حمزة : الإعلان المتأخر عن العطلات الرسمية يتسبب في صعوبة توزيع ضغط العمل
وقال الدكتور كريم حمزة، خبير صناعة خدمات التعهيد في مصر، إن قطاع تعهيد تكنولوجيا المعلومات يمثل أحد الركائز الأساسية للاقتصاد المصري، نظرًا لدوره الحيوي في جذب الاستثمار الأجنبي وتوفير فرص عمل كثيفة للشباب.
ورأى حمزة أن إدارة الموارد البشرية وتخطيط العمل داخل هذا القطاع يواجه تحديات مستمرة أبرزها عدم وضوح مواعيد الإجازات الموسمية وتباينها وتأخر الإعلان الرسمي عنها، وهو ما يؤثر بصورة مباشرة على استقرار عمليات الشركات العالمية التي تعتمد على الكوادر المصرية.
وعلق قائلاً : القضية ليست في عدد أيام الأجازات الموسمية بقدر غياب التخطيط المُسبق والوضوح التنظيمي، مؤكداً أن الإعلان المتأخر عن أيام العطلات الرسمية يؤدي إلى صعوبة كبيرة في توزيع ضغط العمل، مما يُربك الشركات ويُرهق العاملين بها.
واستشهد حمزة بتجربة الشركات العالمية التي تخطط مشروعاتها بشكل سنوي، إلا أنها تواجه عقبات جمة نتيجة هذا التأخير وعدم الوضوح، وهو ما يقلل من كفاءة التخطيط وينعكس سلبًا على صورة مصر التنافسية في السوق العالمي.
وأضاف أن توحيد عدد أيام الإجازات السنوية حسب الفئات المختلفة للعاملين في بداية كل عام، مع إعطاء مرونة لمنح الأجازات وفقاً لضغط العمل، من شأنه ضمان حقوق الموظفين ماديًا وعينيًا، فضلاً عن توفير قدرة عالية على التخطيط والاستفادة من فترات انخفاض الضغط العالمي، وخاصة خلال مواسم الأجازات الطويلة بالخارج في شهور ديسمبر ويناير ثم إبريل وأغسطس.
وألمح إلى أن هذه الفترات بالذات تعتبر فرصًا ذهبية لزيادة الإنتاجية واستغلال فترة انقطاع أعمال الأسواق العالمية لتعزيز مكانة مصر في تقديم خدمات مستمرة وذات جودة عالية.
وشدد على أهمية أن يولي صناع القرار اهتمامًا خاصًا لتنظيم وإعلان مواعيد الأجازات بشكل واضح ومبكر، مع توحيدها وتوفير المرونة الإدارية اللازمة، لتحقيق كفاءة أكبر في تخطيط الموارد البشرية وضمان استمرارية الخدمات، وتعزيز تنافسية مصر عالميًا في قطاع تعهيد تكنولوجيا المعلومات.

مقبل: الشركات تتحمل ثلث أيام العام أوفر تايم للموظفين بموجب القانون
وأكد محمد مقبل ، مدير شركة تيل توك لخدمات التعهيد ، أن ثلث أيام العام في مصر تعتبر إجازات ، موضحا أن يوم الراحة الواحد يكبد الاقتصاد القومي وليس الصناعة فحسب مبالغ كبيرة .
وقال مقبل إن طول فترة الراحة في مصر تعيق شركات التعهيد علي منح موظفيها جميع أيام العطلات المقررة خاصة وأنها تمتلك عملاء بحاجة إلي دعم فني مستمر علي مدار الساعة أسبوعيا.

ورأي أن هناك قطاعات بعينها داخل الدولة مثل الجمارك لا يتطلب حصولها علي إجازات طويلة ، مشددا علي أهمية قيام الحكومة بصياغة تشريع جديد ينظم جدول العطلات في مصر خاصة وأن الشركات أصبحت تتحمل ضعف رواتب الموظف حال عمله يوم راحة بموجب القانون بحيث يحصل علي أوفر تايم .
وأكد أن الشركات تتحمل بذلك ثلث أيام العام اعباء إضافية عن الإجازات ، موضحا أن الحكومة أقرت بالفعل قانون لحماية حقوق الموظفين دون اي اطراف أخرى.
جرجس : تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والحياة الأسرية
من جانبه أشار جون جرجس، الرئيس التنفيذي لشركة “أورا” لخدمات التعهيد، إلى الأثر الإيجابي للإجازات في تحقيق التوازن بين الحياة المهنية والحياة الأسرية، مما يسهم في تقليل ضغط العمل.
في المقابل أوضح أن صناعة التعهيد تتأثر بشكل مباشر من تكرار الإجازات، لكن الشركات تتولى توزيع المهام بين موظفيها بشكل مؤقت على الفريق المتبقي خلال الإجازات للحفاظ على استمرار العمل بنفس المعدلات والكفاءة.
أشار إلى أن الإجراءات الإدارية الخاصة بتعيين الموظفين الجدد تتأثر بطول فترة الإجازات، مما يؤثر على تحديد مواعيد المقابلات وإنهاء الأوراق المطلوبة.
واختتم جرجس بالتأكيد على أهمية إيجاد توازن work life balance، خصوصًا في الصناعات التي تعتمد على الوقت والكفاءة مثل التعهيد.




