شركات التعهيد في مصر تُعيد رسم خارطة انتشارها الجغرافي
في ظل تصاعد المنافسة في سوق خدمات التعهيد بمصر، بدأت الشركات المحلية والعالمية الكبرى تُعيد رسم خارطة انتشارها الجغرافي، لتتجه بقوة نحو المحافظات، في خطوة تعكس تحولًا استراتيجيًا نحو استغلال الطاقات البشرية الكامنة خارج نطاق القاهرة الكبرى.
ومع الارتفاع المستمر في تكاليف التوظيف بالعاصمة، وتراجع معدلات الاستقرار الوظيفي، أصبحت الأقاليم تمثل حلًا ذكيًا يوفر كفاءات مؤهلة، واستقرارًا تشغيليًا أعلى، وتكاليف أقل.
هذا التوجه الجديد لم يأتِ من فراغ، بل تؤكده بيانات القطاع وتصريحات مسؤولي كبرى شركات التعهيد العاملة في مصر، الذين يشيرون إلى جودة المهارات في المحافظات، خاصة في مجالات اللغة والتكنولوجيا، وتوفر بيئة عمل أقل ازدحامًا وتنافسية.
اللافت أن بعض المحافظات مثل بني سويف وأسيوط على سبيل المثال باتت تحتل موقعًا مميزًا في خطط التوسع المستقبلي، لما تتمتع به من مميزات نوعية، مما يعزز من قدرة مصر التنافسية كمركز إقليمي لصادرات خدمات تكنولوجيا المعلومات والتعهيد.
المنافسة على استقطاب الكوادر
كشف مسؤول بإحدى شركات التعهيد العالمية العاملة في مصر – فضّل عدم ذكر اسمه – أن هذا التوجه نحو التوسع خارج القاهرة والإسكندرية جاء نتيجة تزايد حدة المنافسة على الكوادر في العاصمة، إلى جانب إدراك الشركات لتوافر مواهب متميزة في عدد من المحافظات.
وأشار إلى أن العديد من المدن المصرية أصبحت تزخر بخريجين يمتلكون مهارات لغوية نادرة مثل الألمانية والفرنسية، فضلًا عن إتقان اللغة الإنجليزية بمستوى عالٍ، وهي عناصر باتت تحظى بأولوية كبرى لدى شركات تقديم الخدمات العابرة للحدود، والتي تعتمد على تقديم الدعم الفني وخدمة العملاء لأسواق أجنبية.
وأوضح أن المدن المطلة على البحر الأحمر – مثل الغردقة – تميزت بوفرة الكوادر الشابة المتقنة للغة الألمانية نتيجة لتفاعلهم المستمر مع القطاع السياحي، ما جعلها وجهة جذابة لإنشاء مراكز خدمة متخصصة للعملاء الناطقين بهذه اللغة.
وفي الصعيد، أشار إلى أن محافظة أسيوط برزت خلال السنوات الأخيرة كمركز واعد للمهارات التكنولوجية، بفضل الجامعات والمعاهد المتخصصة، وارتفاع نسب التعليم التقني بين الشباب، ما يوفر قاعدة بشرية مناسبة لخدمات الدعم الفني وتطوير البرمجيات.
ولفت إلى أن توسع الشركات في المحافظات يعكس تحولًا استراتيجيًا يهدف إلى خلق بيئة تشغيلية أكثر توازنًا، وتخفيض التكاليف، وتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد البشرية المنتشرة خارج المدن الكبرى، بما يعزز من قدرة مصر التنافسية كمركز إقليمي لخدمات التعهيد.
شديد: ارتفاع تكاليف العمالة يدفع شركات التعهيد للتوسع في المحافظات
من جانبه أكد المهندس محمد شديد، المدير التنفيذي لجمعية اتصال، أن شركات التعهيد باتت تتجه بشكل متزايد نحو المحافظات، في ظل ارتفاع تكلفة العمالة داخل العاصمة، إلى جانب انخفاض معدلات الاستقرار الوظيفي بين الكوادر العاملة بها.
وأوضح أن طبيعة سوق العمل في القاهرة تشهد حركة دائمة من انتقال الموظفين بين الشركات، ما يخلق تحديات كبيرة أمام خطط النمو والاحتفاظ بالكفاءات.
وأشار شديد إلى أن المحافظات أصبحت وجهة جاذبة لشركات التعهيد، بفضل ما تتميز به من استقرار وظيفي لدى العاملين، وحرصهم على الاستمرار في وظائفهم لفترات أطول.
وأضاف أن الكوادر في الأقاليم لا تقل كفاءة عن نظرائهم في العاصمة، بل تتمتع بمهارات متميزة، خاصة في مجالات اللغة وتكنولوجيا المعلومات، إلى جانب رغبتهم الدائمة في تطوير قدراتهم، وهو ما يشكل عامل جذب إضافي للشركات الراغبة في التوسع وتحقيق الكفاءة التشغيلية.

جرجس: انخفاض معدل دوران العمل في المحافظات عنصر جذب مهم
أما جون جرجس، الرئيس التنفيذي لشركة “أورا” لخدمات التعهيد، فأكد أن اتجاه الشركات إلى التوسع خارج القاهرة الكبرى نحو المحافظات المختلفة لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة عوامل واضحة تؤكد جاهزية تلك المناطق لاستيعاب نشاط القطاع.
وأوضح لنشرة “تعهيد” أن أهم هذه العوامل هو توافر كفاءات بشرية متميزة في المحافظات، تتمتع بالخبرة والالتزام، وأحيانًا تكون أكثر استقرارًا وإنتاجية من الكفاءات المتوفرة في العاصمة.
وأضاف جرجس أن انخفاض معدل دوران العمل الـ”Turnover” في المحافظات مقارنة بالقاهرة يمثل عنصر جذب مهم، لأنه يمنح الشركات مزيدًا من الاستقرار التشغيلي، ويقلل من التكاليف المرتبطة بإعادة التوظيف والتدريب.
وأشار إلى أن بعض المحافظات، مثل بني سويف، أثبتت قدرتها على تقديم كوادر مؤهلة بفضل وجود عدد كبير من الجامعات والمعاهد العليا، إلى جانب طبيعة السكان التي تميل إلى الاستقرار، وهو ما ينعكس إيجابًا على معدلات الاحتفاظ بالموظفين وجودة الخدمة.
واختتم بالتأكيد على أن “أورا” تتبنى استراتيجية عمل قائمة على تحسين بيئة العمل في المحافظات، وتوفير فرص نمو حقيقية للعاملين، بهدف خلق منظومة تشغيل متكاملة تدعم التنمية المحلية وتخدم أهداف قطاع التعهيد في مصر.




